الأحد، 23 أكتوبر 2011

المعركة. . كنت ساحتها


بسم الله الرحمن الرحيم


قد يطول هذا الموضوع وليس المحتوى على قدره، ولكنه توثيق لملحمة كنت أحد أقطابها وأرضها العظمى.






لا يشك إنسان خبر الحياة ،عركها و عركته و أخذت من عمره و عقله و من نفسه أيضاً كما أخذ منها خُلاصتها من التجارب.


أن الألم إذا عربد بالنفس البشرية وسد عليها منافذها و قهرها فسارت في دربه و سلكت فِجاجه, ثم استمر هذا في بشاعته و نذالته و نفوذه فإن النفس لابد أن تنتهي إلى حالة من الشعور والحس اللامعقول ..!


و يكون ما تشاهده و تلحظه هو خارج حدود الواقع المرضي إنما هو قابع في فضاء الوهم و الهذيان .!


فلا يستقر المرء على رأي ولا يثبت عليه إن وجد، وهذا ما يحدث معي الآن أيها الأفاضل كما إني لست مِمن رزق ملكة الكتابة أو أحبها..


و لست أيضاً ممن عُرك عركاً و لاكته الأيام حتى كسرت عِظامه لكي يصف ألمه بصورة سافرة..


بعيداً عن الأول و قريباً من الثانية أو في قرى ضواحيها أحاول أن أهدهِد رأسي لكم، لا يحسب أحد أنني هنا لأناقش بعض عويصات الفكر و بعض ملمات الأمة و شيء من مدلهمات الحضارة، فلست إلى ذلك ــ ضربت إبط لوح مفاتيحي ــ بل بالله عليكم هونوا عليكم وعثاء السفر في طرقات الكلمة، وخذوا قسطاً من الراحة، واشربوا عصيرا مثلوجا مضافا إليه حفنة من ابتسامة لتحلو وجوهكم وتيامنوا معي و تياسروا بعد ذلك.


في تلكم الليلة التي ينتظرها العشاق منصف كل شهر ليلعبوا بعقول زوجاتهم وحبيباتهم بتشبيههم بالقمر، ولو فقه النساء ما القمر في تلك الليلة وأمعنوا النظر في خده ورأوا فجواته- التي تشبه معظم شوارعنا-  لثاروا على هذا الوصف  ولكن قوتها وغضبها يتلاشى أمام عذب الكلام، فلا تحرموا نسائكم وبُنياتكم منه.


المهم هاجمني الفارس "فيروس" الذي تخصص بالزكام كما تخصص عنترة بالطعان وفي رواية بالغزل بابنة عمة عبلة ،أليس هو القائل في خضم المعركة :



         فوددت تقبيل السيوف لأنها              لمعت كبارق ثغرك المتبسم 


  ووقت ظهور الفيروس بهذه الليالي والأيام الفضليات على أصح الأقوال، فاحموا أنفسكم وأولادكم منه .


فأخذت- تلك الليلة- أنظر إلى الكواكب وارتجي مكوكبها ، ثم نظرت إلى نفسي وقلت لها ألا تستحين، نبي الله أيوب يصبر على البلاء سنين وأنتي لم تصبري يومين ،ولكن الابتلاء على قدر المنزل، والله نسأل أن يصلح حالنا.


فلما عاث الفيروس في جسدي وشرق وغرب وأطال سُهدي حتى أصبح ليلي أطول من ليل النابغة الذبياني عندما فغر فاه قائلا  :


كِليني لِهَمٍ يا أممية ناصِبِ                     وَلَيلٍ أُقاسيهِ بَطيءِ الكَواكِبِ


تَطاوَلَ حَتّى قُلتُ لَيسَ بِمُنقَضٍ             وَلَيسَ الَّذي يَرعى النُجومَ بِآيبِ


وَصَدرٍ أَراحَ اللَيلُ عازِبُ هَمِّهِ            تَضاعَفَ فيهِ الحُزنُ مِن كُلِّ جانِبِ





ولست ببعيدٍ عن الملك الضليل حينما أثقله هذا الليل  حتى قال :


وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحرِ أَرخى سُدولَهُ         عَلَيَّ بِأَنواعِ الهُمومِ لِيَبتَلي


   فَقُلتُ لَهُ لَمّا تَمَطّى بِصُلبِهِ             وَأَردَفَ إعجازاً وَناءَ بِكَلكَلِ


  ألا أَيُّها اللَيلُ الطَويلُ أَلا اِنجَلي         بِصُبحٍ وَما الإِصباحُ مِنكَ بِأَمثَلِ


فبدأت أخطط لمداهمة هذا الفيروس والقضاء عليه بمعركة واحدة. 

ووقت ما كان يعد العدة باغته بمعركتي الأولى ليلة السبت فشتتُ شمله، وفكان سلاحي من موروثات ألأجداد وهو القسط الذي ينسب إلى الهند، ولكن هذا السلاح الجبار لابد من استخدامه ثلاثة أيامٍ بلياليهن كل ثماني ساعات وذلك لتعزيز جنودي من الكريات البيضاء،وخطأً مِني لم استعمله إلا مرتان بعد أن توقعت انتصاري بالمعركة نصرا مُبينا، وهذه مصيبتنا يا قوم نرجوا النتائج العظمى بأقل المجهود.


وما هي إلا يوم وليلة وجمع القائد فيروس، مرتزقته ورتب جنده وهاجمني بشراسة حتى أثخن حلقي بالجراح وتضعضعت صفوف كرياتي البيضاء.

ومن  دهاء هذا القائد فيروس أنه يحاربني نهارا ويرسل لي عشيقته ليلاً لكي يشغلني بها لأكون غدا في المواجهةِ أضعف .


فلما أتت عشيقته أبت نزولا إلا في عظامي حتى كنت من شدة السُكرِ أهذي بقول القائل :


 وزائــــــرتي كأن بها حيـــــــــاء         فليـــــس تزور إلا فـــي الظلام


 بذلت لها المطارف والحشــــــايا          فعافتـــــها وباتت فــــي عظامي


   يضيق الجلد عن نفسي وعنــــها          فتوسعـــــــه بأنواع الســــــقام


فقضيتُ يومين أصبحت ابتسامتي فيهما يتيمة كفرحة طفل فاقدٍ لأبويه بيوم عيد في مجتمع بني على المصالح الدنيوية، وعربد الألم في جسدي أيما عربدة، وتألمتُ كما يتألم الفرد منا إذا علم أن له مراجعةٌ لدى "البلا والأذية" أقصد البلدية.


فأخذت أفكر بسلاحي السابق ولكنه لا يأخذ مفعوله بسرعة - ونحن بُلينا بها - والإجازة الأسبوعية على وشك ، ولا أريدها أن تبدأ ومعركتي لم تنتهي، فإذا محبوبتي تأتي باقتراح وهو أن نستعين بالأسلحة الجديدة لهزيمة هذا القائد وكان السلاح هو "فلُوتاب"، ولكنني "سأتوب" عنه بعون المولى.


تحاملت على نفسي وامتطيت صهوة سيارتي ميمما شطر (الأقزخانة)، فحضيت بهذا السلاح وعدت به إلى المنزل سريعا فرحا به، فاستعنت بالله وبدأت معركتي بأخذ حبتين منه تلك الليلة ونمت نوما هادئا، فلما استيقظت علمت بانتصاري بفارق بسيط، ولكن قد تعلمت من معركتي السابقة أن لا أغتر ولا أتوقف عن معركتي حتى أبيد ذلك القائد وجنده.


وعند ذهابي للمدرسة أخذت حبة أخرى ليبدى جسمي معركة أخرى، أطارد بها فلول المنهزمين وقبل أن يلملم القائد جنده ويوحد صفه،
ولكن ...


عند ذهابي للمدرسة بعد أخذ تلك الحبة من الـ"فلوتاب" وعند بداية الحصة الثانية زحف النوم إلى جفناي فلا استطيع له مقاومتاً ومع ذلك حاولت وأعطيت الحصة وأنا بين النائم واليقظان.

فلما بدأت الحصة الثالثة وإذا الحصارُ من النوم يشتد والجفون تقاوم باستماتة، وأخذت أتحرك بالفصل باستمرار يخيل إلي أني سوف أتغلب على النوم وصدق من قال أن النوم سلطان.


سيطر النعاس علي فأصبحت أشبَهُ بالمخمور مني بالصاحي فجلست على الكرسي واضعا رأسي على راحتي وأحاول فتح عيني بيدي بالقوة الجبرية.

ولكن هيهات هيهات هنا تكمن قوة السلاح - وهو أن ترتاح وتنام لكي يعمل السلاح على أكمل وجه - انتهت الحصة الثالثة وانتهت معها مقاومتي للنوم فنزلت لغرفة المدرسين ورميت نفسي على الأريكة لا ألوي على شيء غير النوم وكانت الساعة 9:40 فنمت ولم استيقظ إلا الساعة 11:35 .


ومن حسن الحظ أنه كان بالمدرسة ذلك اليوم مسابقة لحفظ أجزاء من القرآن - وهو نشاط تشكر عليه المدرسة غير أنها أنشطتها كثيرة مما يسبب ضياع حصص على الطلاب والذي يؤدي إلى تأثيره سلبا على تحصيلهم الدراسي الذي أشك بأن الوزارة مهتمةٌ به أصل وهذ شيء يتضح بقراراتها- فعدت بعد ذلك للمنزل وقصصت ماحصل اليوم على وليفتي فأخبرتني أن هذا السلاح يأتي بالنوم ويجب أن ترتاح بعده، أخذت حبة أخرى ونمت بعد ذلك فلما استيقظت قُبيل العصر أحسست بالعافية وكانت باديتا علي فلما رأتها شريكتي قالت لي ما قاله أبو الطيب المتنبي لسيف الدولة  :


              المَجدُ عوفِيَ إِذ عوفِيتَ وَالكَرَمُ  
                                               وَزالَ عَنكَ إِلى أَعدائِكَ الأَلَمُ 
             وَراجَعَ الشَمسَ نورٌ كانَ فارَقَها  
                                                  كَأَنَّما فَقدُهُ في جِسمِها سَقَمُ 
            وَلاحَ بَرقُكَ لي مِن عارِضَي مَلِكٍ  
                                              ما يَسقُطُ الغَيثُ إِلا حَيثُ يَبتَسِمُ





وبذالك تأكدت من قضائي على القائد المحنك العظيم فيروس، ودبت الحياة بي من جديد .




أخيراً أعرف أن بعضكم قد يكون محبطاً بائساً شيء من هذا القبيل

و قد تصارعه نفسه ليرد هذا.
ولكن ...


إن نصف ما أقول لا معنى له، و لكني أقوله ليتم معنى النصف الأخر.!





أخر شيء 


* قال صلى الله عليه وسلم :( ما يُصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يُشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) رواه البخاري .


*  " الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أول خطوات الشفاء" ابن سينا 

هناك 9 تعليقات:

  1. اولا حمدلله على سلامتك استاذي
    ثاني :اسلوبك رائعا في النقد الخفيف اللطيف الغير موجه بشكل مباشر ولكن عندي بعض الملاحظات التي اريد منك التعليق عليها او توضيحا لي وهي:
    "أحاول أن أهدده رأسي لكم، "هل تقصد كلمة اهدده ام اهدهده؟؟؟؟
    وثانيا :انت قل عصيرا مثلوجا فهل تقصد مثلجا ام صحيص ما قصدت من كلمة مثلوج اذ ان لها اصلا في اللغة العربيه؟؟؟ارجوا ان تفيدنا كونك ضليعا و اشتاذا في اللغة العربيه

    ردحذف
  2. أيها المعروف الرافض اسمه

    ربنا يسلمك من كل شر ويخليك لعين ترجيك.

    ثانيا:

    * أما العبارة المنصوصة فلقد تقدم البنصر على الوسطى بدون احترام، كما لا يحترم صغيرنا كبيرنا.
    وفي رواية أصحُ منها تظهر لي والله اعلم ،وهي أنهما تسابقا على الضرب على الحروف لتحويل الكلام المنطوق إلى مقروء رغبتا إلى معرفة درجة تركيز القراء.
    أما الأصح منهما أنها كتبت خطاءً مني فصححتها فلك مني الشكر .

    * من باب الحق أني لستُ بضليع.

    أما الكلمة فهي مقصودة وهي مأخوذة من كلمة ( ثلج).

    فنقول :

    وقد أثلج يومنا وأثلجوا دخلوا في الثلج، وثلجوا أصابهم الثلج، وأرض مثلوجة أصابها ثلج، وماء مثلوج مبرد بالثلج.

    لو ذقت فاها بعد نوم المدلج * والصبح لما هم بالتبلج
    قلت جنى النحل بماء الحشرج * يخال مثلوجا وإن لم يثلج

    ومن المجاز: أثلجت عنه الحمى، إذا أقلعت.
    راجع( لسان العرب )

    أخر شيء

    وفي حديث الدعاء واغسل خطاي بماء الثلج والبرد إنما خصهما بالذكر تأكيدا للطهارة ومبالغة فيها لأنهما ماءان مفطوران على خلقتهما لم يستعملا ولم تنلهما الأيدي ولم تخضهما الأرجل كسائر المياه التي خالطت التراب وجرت في الأنهار وجمعت في الحياض فكانا أحق بكمال الطهارة.

    ردحذف
  3. القادم من كوكب آخر25 أكتوبر 2011 في 6:54 م

    الحمداالله على سلامتك استاذ مستور
    شعرت انني اقف على ملحمة حقيقية بالصوت والصورة (:
    استمتعت كثيرا في قراءتها, ابدعت في تصوير المعاناة وهذا المسمى (الفلوتاب) تربطني به علاقة وثيقة في ايام البرد القارصة
    (لو علمو اصحاب الاكزاخانات لقاسموك ارباحهم)
    ولكن هو فعلا يستحق هذاالثناء

    ردحذف
  4. حمدا على سلامتك وطهورا ان شاء الله

    عليك باليمون عصر مباشر في الفم

    شدني موضوعك فنظرت في نفسي وانا اقاوم في ساحة المعركه المده تطول لا اعلم متى تنتهي المعركه وعلمها عند ربي الواحد الصمد انتظر وانتظر واتذكر قوله تعالى (ألا إن نصر الله قريب ) فلا تدع المرض يغلبك كن قويا مستمد قوتك بالله تعالى متوكل عليه فاأحمد الله تعالى على منه وكرمه

    وقفت اخيرا عند مقولة ابن سينا (..... والصبر أول خطوات الشفاء )

    انتظر عطر قلمك وبوح قلبك

    ردحذف
  5. قدامك العافية أبو فيروز .

    شكرا على الزيارة.

    ردحذف
  6. طهور إن شاء الله.

    نتمنى لك المزيد من الإنتصارات, بغير إي فلوتاب خارجي.

    أبو زيد.

    ردحذف
  7. مستور العبدالله5 نوفمبر 2011 في 1:52 م

    امين .
    جزاك الله خيرا،ووقاك من كل مكروه.

    ردحذف
  8. ابو عاصم الصاعدي22 ديسمبر 2011 في 9:43 م

    قدامك العافيه يامستور

    ردحذف
  9. مستور العبدالله31 ديسمبر 2011 في 8:55 م

    هلا بالغالي ،فينك ياراجل ، لاتنسى دائما تزورنا .

    يعافيك مولاك

    ردحذف