الجمعة، 7 أكتوبر 2011

لُغةٌ تُنحَر !

حينما انفصلت بنغلاديش حاولت باكستان إجبار الشعب البنغالي على اللغة الأوردية فرفض الشعب البنغالي الانقياد وعمل مظاهرة في يوم 21 فبراير 1952 بمدينة دكا للمطالبة بالاعتراف بلغتهم الأم وهي البنغالية وقتل في تلك المظاهرة عدد من المتظاهرين ،وفي عام

 1999 طالبت حكومة بنغلاديش اليونسكو بتخليد ذلك اليوم .
ومنذ عام 2000 في الـ 21 فبراير تحتفل اليونسكو بذلك اليوم وسمي ذلك بـ(اليوم العالمي للغة الأم )
وقد حددت اليونسكو يوما معينا - غير اليوم العالمي للغة الأم - لكل لغة من اللغات الكبرى ومن ضمنها اللغة العربية .

أرأيتم كيف رفض هؤلاء وضحوا بأنفسهم في سبيل أن تبقى لغتهم لغة رسمية في بلادهم ؟

ونحن للأسف نتخلى عن لغتنا - للغة الإنجليزية - طوعا منا دون إجبار ،إلاّ ما يتوهمه بعض المتفيقهين .
قد يقول قائل : نحن لا نتخلى، إن اللغة الأساسية للدولة هي العربية .
وقد يقول أخر :هي لغة العلم ندرسها لكي نلحق بالركب .

فأقول للأول : الم تسمع بالمثل القائل " اسمع كلامك أطمن وأشوف أفعالك استغرب " ، آلا ترى أن وزارة التربية والتعليم سنة بعد أخرى تقرر اللغة الإنجليزية للمراحل الدراسية الأقل فبدأت بالصف السادس والآن بالصف الرابع وفي المقابل تدمج مقررات اللغة العربية بكتاب واحد ،ولك أن تتخيل النتائج إذا علمت أن درجت الإملاء في إحدى المراحل هي أربع درجات من مئة والباقي من المائة يوزع على بقية مواد اللغة العربية ،والله أعلم كيف المستقبل .
 آلا تمر بلافتات المحلات وترى كيف كتبت بأسماء أجنبية وإن كانت بعضها بحروف عربية "حشفا وسوء كيله " ،وغيره الكثير .
ألا تعلم أن بعض الشركات في وطننا تلزم المتقدم لها بأن يكون متقنا للغة الإنجليزية وهي أساسا ليس لها تعاملات خارجية .

أما الأخر فأقول له : صحيح أن العلوم معظمها باللغة الإنجليزية ولكن ليس تقريرها على المرحلة الابتدائية هو السبيل إلى الرقي العلمي .
أنظر إلى العملاق الصيني يندر به وجود المتحدثين باللغة الإنجليزية ،ومع ذلك لم يعيقها أن تغزوا العالم بصناعاتها .
أنظر إلى المانيا وفرنسا من أقوى الاقتصاديات في أوربا، هل أعاقهما عدم إتقان الشعب للغة الإنجليزية عن التقدم العلمي ؟

إن معظم دول العالم صاحبت الحضور العالمي سواء الاقتصادي أو العسكري تتخذ تدابير لكي تحافظ على لغتها وإليك بعض الأمثلة :

  • رغم الاختلاف في قواعد اللغة الإنجليزية بين أمريكا وبريطانيا إلاّ أن المصالح المشتركة دفعتهم إلى وضع خطة إستراتيجية مشتركة لتوسيع نشر الانجليزية في العالم بغرض زيادة تفوقهما الحضاري في كل المجالات حسبما ورد في كتاب "الإمبريالية اللغوية" للمؤلف البريطاني روبرت فيلبسون .
  • أمريكا من وقت لأخر تفتح معاهد لتعليم اللغة في بعض الدول التي لا يوجد فيها متحدثون كثر باللغة الإنجليزية وتكون المعاهد مجانية .
  •  في فرنسا وضعت الدولة غرامات باهضة على أي لوحة لمحل تكتب بغير الفرنسية ، وكذالك لكي تُبتَعث وتَدرِس في الجامعات الفرنسية يجب أن تجتاز اختبارا باللغة الفرنسية وإلاّ فإن إبتعاثك يلغى بعد سنة .
  •  سنويا في إيطاليا تعقد وزارة التربية الإيطالية اجتماع لعلمي اللغة الإيطالية الذين هم خارج إيطاليا ولو كانوا لا يحملون الجنسية الإيطالية ليبحثوا أخر التطورات في مجال تعليم اللغة ،وأيضا تصرف تذكرتي سفر بغرض السياحة مجانا لمدة أسبوع إلى ايطاليا لكل معلم للغة خارج ايطاليا على حساب الوزارة ، وإذا كان السائح ذاهب إلى ايطاليا لدراسة اللغة فإنه يعطى تخفيض في التكلفة .
  •  أي شخص يرغب بالعمل أو بالدراسة أو بالإقامة في هولندا يُجرى له اختبار- بعد ستة أشهرأو سنة - باللغة الهولندية وإذا لم يجتازه يُرَحّل من هولندا .
  •  في الصين لكي يواكبوا العلم مع الحفاظ على لغتهم تقوم الدولة بترجمة الكتب العلمية الصادرة بلغات العالم إلى اللغة الصينية في مدة لا تتجاوز الأسبوع بحسب ما قال الشيخ خالد البكر في محاضرة بعنوان صناعة التغيير .

إن لغتنا ليست مجرد حروف جوفا بل هي هويتنا وفكرنا كما قال أحد علماء الاجتماع « إن التفكير هو التكلم سراً وإن التكلم هو التفكير جهراً » .‏

ولست ممن يقلل من شأن اللغات الأخرى أو تعلمها فتعلم اللغات شيء والمحافظة على لغتنا الأصيلة شيء آخر . فتعلم اللغات ضروري جداً لأنه يحقق لنا تواصلاً حضارياً مع الآخرين وتضيف لشخصية المتعلم شخصية ثانية مهمة في الحياة.

مطلوب منا أن نحافظ على لغتنا وثقافتنا كجزء من ذاتنا وحياتنا الروحية ومعتقداتنا وإدراكنا لذواتنا ولذوات غيرنا وهويتنا التي نعتز بها كل الاعتزاز .‏

ولو قلبنا صفحات التاريخ لرأينا أمثلة كثيرة عن أمم اندثرت وانصهرت في أمم أخرى نتيجة لاندثار لغتها أو اقتباسها لغة أخرى غير اللغة الأصيلة . فالاستعمار اليوم وكما كان قديماً يدرك هذه الحقيقة ويعمل بلا هوادة لمحاربة اللغة القومية ساعياً بوسائل شتى إلى فرض لغته وثقافته على الأمم المستضعفة لكي يمحو كيانها لدمجها بِهِ وابتلاعها .‏

أخر شيء

« اللغة مظهر من مظاهر الابتكار في مجموع الأمة أو ذاتها العامة فإذا هجعت قوة الابتكار توقفت عن مَسيرها وفي الوقوف التقهقُر وفي التقهقر الموت والاندثار » جبران خليل جبران

مستور العبدالله

هناك 3 تعليقات:

  1. المجتمع التركي مجتمع محافظ على لغته لايعرفون عربي ولا انجليزي

    ايضا من واقع الحياه ان اللغه العربيه اندثرت ومحاولة احياء اللغه الانجليزيه بل الان محاولة دمج اللغتين في بعض من قبل الفئات العمريه . واصبح سلوكا حضاريه يضنه البعض بعطيك امثله متداوله ( غداء تايم - تايم صلاه ) واكثر مايدمر اللغه العربيه هي الاجهزة الاتصالات المتنقله

    ونجد البعض تعلمه للغه الانجليزيه قد وصل لمرحله القمه والشموخ والكبرياء

    تسئله ماذا تجني من اللغه الانجليزيه هل لك رساله ساميه يقووول ابتعدت عن مجتمع لايفقه شيا عجبي ...!!

    اما البعض في تعلمه للغة الانجليزيه نجد لديه حفاظ على لغته الاصليه واللغه الانجليزيه هي مجرى حياته في ايصال رسالة الاسلام فهذا انطباع ممتاز



    نقطه اخيره .

    لاتخشى على اللغه العربيه فيه لغة القرآن ومحفوظه

    شكرا جزيلا

    ردحذف
  2. تحية عطرة لأبا فيروز وأقول له :

    حينما آرى أعاجم لاتعرف من العربية شيئا ولا تحسن نطق كلمتين على بعض، ثم اسمعهم يتغنون بالقرآن ، أظن الأتي :

    وهو أن الله تكفل بحفظ القرآن ولم يتكفل بحفظ اللغة العربية ، وهذا لايعني أنها سوف تندثر وإنما يقل عدد متحدثيها .
    وأرجو أن أكون مخطأ في مخاوفي .

    ردحذف
  3. شكرا لأبو فيروز وأتفق مع كلام أبو سالي .

    ردحذف