الأحد، 21 أكتوبر 2012

أوقفوا الدراسة !


دائما ما أتأمل في تخلفنا رغم وجود الإمكانات الهائلة التي نُحسد عليها، وأربطها مع التعليم ومستواه.
ولأنني أؤمن إيمانا لاشك فيه ولادَخَن أن التغيير يبدأ من التعليم، وأن التغير والتطور والتخلف كُلها هي انعكاس لحالة التعليم في الدولة،مع عدم إنكاري لأهمية الصرامة في تطبيق القوانين على الكل.

فقد أخذت في الأيام الماضية أقرأ عن التعليم في بعض دول العالم فوجدت أنها ركزت على التعليم وأهدافه وانظمته وقوانينه ومكانة المعلمين في الدولة، وكل ذلك أنعكس على جميع مناحي حياتها وحياة أفرادها.

بل إن الدولة إذا أرادت نشر أفكارها ومبادئها جعلت ذلك جزءً من تعليمها.

فإذا نظرنا إلى دولة مثل إيران حينما قامت ثورتها عام 1979 أول ماوصل المعممين للسلطة أوقفوا الدراسة أربعة أعوام وأعادوا خلالها صياغة المناهج بما يتوافق مع ثورتِها وأختاروا من المعلمين من يؤيد ثورتها وجعلوها تحت إشرافهم المباشر وقاموا بتأليف 200 كتاب جديد لطلاب المدارس بمراحلها المختلفة، وكانت المناهج مصبوغة برؤية الجمهورية الإيرانية ويخدم أهداف الثورة.

وكذلك حدث مع كوبا فأول ماعمل (فيدل كاسترو) بعد أن أوقف الدراسة 8 أشهر ألّفَ منهجا سماه "سننتصر" وجعله مقررا يدرس في المدارس، وهو يتحدث عن أهداف الثورة والمشكلات الإجتماعية والسياسية والإقتصادية في المجتمع والأخطار التي يتعرض لها داخليا وخارجيا.

وحينما أنظر إلى التعليم عندنا ومقدار ميزانيته ووضع مَدَارسه ومُدَرِسيه ومحتوى مناهجه أتذكر ماكتب طه حسين عن مصر "إن مصر تبني الجامعات لا لتعلم أبناءها وتنور شعبها، ولكن ليقال إن مصر بلد متقدم، والدليل على ذلك أن فيها جامعات، وتبني المستشفيات لا لتعالج شعبها وتقضي على المرض، لكن ليقال إنها بلد كأوروبا؛ لأن بها مستشفيات".
لاأعلم هل ينطبق علينا هذا الكلام ! أترك الجواب لكم.

وقد بدأت الدولة بالإبتعاث في محاولة للإصلاح ولنهضة البلد، ولكن هذا يذكرني بما عمله محمد علي باشا حاكم مصر حينما بَعث طلابه إلى فرنسا قبل اليابان بسنين عدة، لكنه لم يكن يعرف الغاية التي أرسلهم من أجلها، أو الغاية التي ينبغي أن يرسلوا من أجلها فلم يتخيرمحمد باشا من يَبتعث، فلم تصنع بعوثه شيئًا سوى أن امتلأت قلوبها بالحيرة والشك والإعجاب الأعمى بمظاهر المدنية الفرنسية.

وأعتقد أننا على خُطاه أو قريبا منه والدليل على ذلك أن قائمة (حافز) تحتوي على حَملة الدكتوراة.

فلو نظرنا في المُقابل إلى اليابان حينما ارسلت بعثاتها وكانت أمورها واضحة وغاياتها عظيمة فهي كما يقول رشيد عبدالغفار في كتابه التقليدية والحداثة في التجربة اليابانية "استعارة الوسائل والأدوات الفنية والعلوم الحديثة والمصانع... مع تبني نظام أخلاقي وسياسي يكفل الحفاظ على الخصوصية اليابانية... وقد أرسَلت إلى الغرب بشخصيات يابانية تتمتع بحنكة كبيرة بحيث لا تبهرها مظاهر الحداثة السائدة في أوروبا والولايات المتحدة، وتقوم بانتقاء وتحديد أكثر هذه المظاهر ملاءمة مع التقاليد اليابانية".

فلما رجعت بعثةُ باشا وطنوا الثقافة الفرنسية بعاداتها وسلوكها المخالف للروح الإسلامية  ولما لم يكونوا يعرفون سوى هذا أوقعوا المجتمعات في حيرة وبلبلة وصراع لا ينتهي، أما الطالب الياباني فعند عودته فقد بدأ في صناعة نهضته وتفوق على معلميه مع حفاظه على أخلاق بلاده.

ولقد كتب مالك بن نبي "حين كان الطالب الياباني يذهب إلى الغرب في أواخر القرن الماضي كان يذهب ليتعلم التقنية مع الحفاظ المتشدد على أخلاق بلاده، كما سيذهب بعده ذلك التلميذ الصيني المتواضع (نسيان هماسين) ليتعلم في مختبر جوليو كوري بباريس، وليعود لبلاده بالمعلومات النووية التي تدهش العالم اليوم. بينما غالبًا ما يحدث للطالب الذي يذهب من بلادنا أن يعود بشهادة، ولكن بعد أن يترك روحه في مقاهي أو خمارات الحي اللاتيني، أو في النوادي الوجودية بسان جرمان".

وقال في مقارنته "إن الياباني وقف من الحضارة الغربية موقف التلميذ، ووقفنا منها موقف الزبون، إنه استورد منها الأفكار بوجه خاص، ونحن استوردنا منها الأشياء بوجه خاص، إنه كان... ينشئ حضارة، وكنا نشتري بضاعة".

إن التعليم تربية وأفكار تنعكس على سلوك وحياة الفرد وأخلاقه، لا أبواق جوفاء وشعارات رعناء تدعمها قرارات غير مسئولة.

وقد ترى الشخص من حملة الشهادات الخارجية يتشدق بالإيثار وحب الوطن،ويتغنى بالأخلاق الفاضلة، ويستهزي بتخلف المسلمين، ويمتدح الأمم الأخرى ويشيد بحترامها للوقت وأنضباطها وإخلاصها في العمل وو...إلخ.

وفي النهاية لايأتي شيئاً من ذلك، وأصبحت حياتنا مشوهه أو كما قال مختار الغوث "إن حياتنا بدع من حيوات الأمم المتقدمة: فلا نحن بنيناها على شرعنا، ولا نحن بنيناها على أسس عقلية".

يجب على المعلم أن يستشعر مهمته فمن تحت يده تخرج جميع المهن الأخرى وأن يعلم تلاميذه أنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"، وأن للإنسان جوهرا يغذيه العلم والحق والشرف والفضيلة.

وأيضا على الوزارة أن تعيد للمعلم مكانته فلم أقرأ او اسمع أن دولة وضع معلميها مثل وضع معلمينا وتقدمت.

ومن العجيب أن وزارة التربية والتعليم عندنا تصدر مجلة المعرفة وكان أحد إصداراتها بتاريخ (شعبان 1422هـ) بعنوان "التعليم من حولنا - تجارب من دول العالم" ومنه أخذت القصتين التي في المقدمه، فهل ينطبق عليها قول الشاعر :

      كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ .. والماء فوق ظهورها محمولُ 

أم أنه أمرٌ قضي بِليل!

وفي النهاية اتسائل كما تسائل أحدهم قبل عقدين من الزمن "إن البلاد العربية فيها من حملة المؤهلات العلمية العالية عدد وفير، فلِمَ لم تنتج ولم تلتحق بالدول المتقدمة؟".

أخر شيء

" خلاصة القضية
توجز في عبارة:
لقد لبسنا قشرة الحضارة 
والروح جاهلية " 
نزار قباني


مستور حامد العبدالله

دمتم بخير وإلى الخير تسيرون


هناك تعليقان (2):

  1. كلام وثائقي جميل
    دمت جميلاً.

    ردحذف
  2. مستور العبدالله5 نوفمبر 2012 في 12:36 ص

    شكرا، على المرور.

    كن أفضل مما تظن.

    ردحذف