الأحد، 22 يناير 2012

رسالة إلى فخامة رئيس الجمهورية

هذه رسالة كتبها أحد شعب الجمهورية إلى الرئيس المنتخب 



رسالة رائعة تكاد تكون نبراسا 


 أترككم معها 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
  

بسم الله الرحمن الرحيم فخامة رئيس موريتانيا  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هنيئا لك الفوز بثقة الشعب، الذي تدفق إلى صناديق الاقتراع ليقول إنك أمله، إذ انقطع أمله، وإنه -إن لم يكن مدفوعا بالوعي السياسي- مدفوع بالمروءة التي تقتضي شكر من أحسن. فخامة الرئيس، لقد قلَّدك الشعب وساما، إن أثبتَّ أنك أهل له، كتبك التاريخ في عظماء موريتانية، وإن تكن الأخرى -لا قدَّر الله- وضعك حيث وضع مَنْ قبلك، واستيقنَ الموريتانيون أن ليس في أولاد الضبعة من أن يمشي سويا!



 فخامة الرئيس، سوف يوجزك التاريخ في كلمة، كما أوجز فيها غيرك، فتخيَّر كلمتك التي تحب أن توجَز فيها، وتخير العنوان الذي تحب أن يجعل فوقك، واصنع صورتك بيدك، لوِّنها بما شئت، حسِّنها أو قبِّحها، إنك حرٌّ فيها اليوم، أما غدا فسيضعها التاريخ حيث لا يكون في وسعك أكثر من النظر إليها.




 وسمِّ نفسك بما تشاء: أبا موريتانية الحديثة، الرئيس العادل، الرئيس الصالح، الرئيس النزيه، الرئيس الذي قضى على الفساد،إلخ. أو سمِّها بما تشاء من أسماء مَنْ قبلك من رؤساء موريتانية والعالم الثالث. وانظر أين تحب أن تكون: مع مهاتير محمد، ورجب طيب أردوغان، ونيلسون منديلا، إلخ، أم مع من لا أحب أن أسمي من رؤساء العالم الثالث الأحياء والأموات. فخامة الرئيس، لقد فتحت من الأمل بابا، كانت قلوب الشعب في يأس من فتحه، فحمَّلت نفسك عبئا، وقطعْت عليها عهدا، رَهنْتَ بهما صورتك، فإما أن تنهض بالعبء، وتفي بالوعد، وإما ألا تكون.



 فخامة الرئيس، لا أحدِّثك بأمر أنت به أعلم، ولكنها الذكرى، و(الذكرى تنفع المؤمنين): إن من العار الذي لا يغسله الدهر أن تظل أموال الوطن نهبا لسباع البشر، دون البائسين من اليتامى والأرامل والعجائز والشيوخ والأطفال الرُّضَّع، الذين رقَّ لهم كل شيء في هذا الكون، إلا حكام موريتانية وشركاءهم في السحت! من العار أن يستأثر بخير الوطن أغنياؤه، ويُؤثَر بالمرض والشمس والزمهرير والأعاصير فقراؤه! من العار أن يرقَّ لنا البعيد، ويقسو علينا القريب! من العار أن يُثري بعضنا من صدقات المتصدقين على البائسين! 



من العار أن نسلب الأموات كل شيء، حتى الأكفان! من العار ألا يجد منا المتصدق علينا من يأتمنه، حتى يحمل إلينا صدقته بنفسه، لأن التجارب علمته أن ليس في موريتانية كف نظيفة، وأن أقذر أكفها أغناها! من العار أن تغلق المصارف المشفقة علينا أبوابها وتتوب من الاستثمار في بلادنا، لأننا نهبنا أموالها بحِيَلِنا التي يندى لها الجبين، وأعانتنا دوائر الدولة الرسمية على ما نأتي من دنيء الحِيَل، بما يسَّرت من الوثائق المطلوبة!



 حِيَلنا التي تدل على أننا صنف من البشر غريب: وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهمْ ذهبوا من العار أن نبلغ من موت الضمائر أن يَعدَّ الواحد منا ما يُستأمَن عليه من أموال الشعب ملكا له، وأن يصير من أعراف سياستنا أن تولية المرء إدارة أو وزارة كنايةٌ عن إباحة ميزانيتها له ولأهله! 




فخامة الرئيس، إن أزمة موريتانية أزمةُ قيادة، أورثت أزمة قانون وأزمة أخلاق، هي سبب كل ما حاق بنا من الأزمات، فإن زالت زالت كل أزمة سواها. لسنا فقراء، ولكن أزمة القيادة جعلتنا: كالعيس في البيداء يقتلها الظَّما والماء فوق ظهورها محمول لسنا جهالا، ولكن أزمة القيادة والقانون والأخلاق جعلت (عاليها سافلها).




 فخامة الرئيس، إن أعظم شيء تقدِّمه لموريتانية إرساء القانون، وإرساء الديموقراطية نظاما وثقافة، فإنها استقرار، وتصالُحَ، يفرغان الشعب لمعركة البناء الحضاري، وفرْضٌ لإتيان البيوت من أبوابها، وإسناد للأمور إلى أهلها، وتقنين للتغيير لا تُخشَى عواقبه. إن عظمة الدول المتقدمة في عظمة قوانينها وفي تربيتها على النظام، قبل أن تكون في جيوشها، وأموالها، وهي التي يترتَّب عليها كل ما سواها من الإيجابيات؛ لأن القانون عقْد بين الشعب، يحدد الحقوق والواجبات والصلاحيات، وفقده يعني أن نكون في غابة تتصارع فيها سباع البشر كما كانت موريتانية في تاريخها الحديث، ومن اشتغل بالصراع اشتغل عن البناء.




 فخامة الرئيس، سوف تجد من يزين الاستبداد، ويقول إننا أحوج إلى الطعام منا إلى الديمقراطية، وإن حالنا ليست كحال فرنسة وأمريكة، وإن الديمقراطية لا تنجح إلا في الدول الغنية، وما دمنا فيما نحن فيه من الفقر فالأولوية لتغيير حالنا، حتى نتهيأ للديمقراطية التي هي مطلب أجنبي أكثر منها مطلبا وطنيا، إلخ. والديمقراطية الراشدة هي التي تجلب الطعام، وتعلِّم وتداوي، وهي التي تصنع المستقبل والتاريخ. وإن طعاما ثمنه الحرية والكرامة لطعام وبيل، أرني دولة ديمقراطية حقا شعبها جائع! 




إن الديمقراطية من أعظم أبواب الغنى، لأن جوهرها الحرية، والعدالة، والمساواة، وتكافؤ الفرص، وهذه تقتضي أن يشترك الشعب في موارده، على سواء، وإذا تساوى الشعب في موارده فحسبه ذاك من الغنى.



 واحذر فخامة الرئيس الثلاث الموبقات الحالقة:


 1- تغيير الدستور لتمديد البقاء في الرئاسة، فإن من العار ألا يخرج الرئيس من القصر إلا بموت أو انقلاب، وعلى ضفة المحيط الشمالية لا يكاد يأتي على حاكم عَقْد في الحكم؛ فكان التقدم والرقي هناك، وكان ما تعلم هنا. وإن مما ينافي الأخلاق أن يُعشق الحكمُ هذا العشقَ كلَّه. وقد رأيتُ أعشق الناس للحكم أقلهم جدارة به. 




سوف تجد -فخامة الرئيس- من يزيِّن لك تغيير الدستور، ويلح عليك، ويوهمك أنه إرادة الشعب، لا إرادتك، وأنه واجب وطني مقدس، وأن من الإيثار أن تتنازل عن رغبتك في التخلي عن الرئاسة، لرغبة الشعب في بقائك فيها. وقد قيل لمَِنْ قبلَكَ كلُّ ما سيقال لك. وسُنَّة تسنها اليوم سيعمل بها من يخلفك، فإن كنت أنت جديرا بالبقاء في الحكم مدة أخرى؛ لأنك صنعت ما يقتضي أن تبقى، ولأنك أمثل من تولى، ولأن الشعب متعلق بك حقا، فمن الواجب أن يكون للوطن دستور، ليس من الصلصال، يشكِّله الحاكم كما يهوى. 




وليس كلُّ مَنْ خَلَفك -فخامة الرئيس- كان مثلَك، فإن سننت له التغيير أتحت له أن يهدم ما بنيت، و"دفْع المضرة أولى من جلب المصلحة". و"من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". فإن أغلقت باب التغيير ألجمت شهوات من ليس أهلا لأن يحكم، عن أن يبقى أكثر مما يتيح الدستور، وأتحت لمن هو خير منه أن يتولى، فسننت سنة حسنة، و"من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة". 




وإن كانت غايتك -فخامة الرئيس- أن تصنع ما يبقى فينبغي أن تسن له بعملك ما يبقيه، ولن يبقيَه شيء كأن تضعه في يد شعب له دستور صلب، يكُفُّ به من يريد النيل منه. والرجل العظيم هو الذي يترك أثرا عظيما، ويحتاط لتخليد ما يترك، وليس الذي يؤقِّت عمله بعهده، ثم يمضي كما تمضي سحابة الصيف، وكما تمضي الأشياء العارضة. ومن مصلحة الرئيس -بعد هذا- أن يغادر الحكم والعيون عليه تدمع، والقلوب تخفق، بدلا من أن يخرج منه ميتا، أو فارا من انقلاب، كما يفر اللص، على وجه يمحو صورته الرائعة، ويصيره ككل رئيس قبله، دخل بانقلاب وخرج بآخر.



 فخامة الرئيس، إن من حقنا أن نكون شعبا محترما، فإن هُنَّا على قادتنا فلن نعظم على أحد. ومن حقنا أن يكون لنا نظام مستقر، كما لغيرنا من الشعوب المتقدمة، وأن نودع عهد الفوضى، فإن أردت أن نكون كالشعوب اللمتقدمة، فكن أنت كالعظماء الذي صنعوا الدول المتقدمة، وصنعوا لشعوبهم أسباب الاستقرار والتقدم، ولم يتركوها على كف عفريت، ومزاج فرد. وإذا أردت موريتانية حديثة فثق بالموريتانيين، وسنَّ لمن بعدك الثقة بهم، فإنك حينئذ تضع أساسا للديمقراطية والقانون، وتزرع بذرة الاستقرار، وتسقي التربة التي ينبت فيها إصلاحك الذي لن يُنسب إلا إليك، بالغة ما بلغت إضافة الذي يخلفك. إن الشعب الموريتاني الطيب المسالم يستحق حياة كريمة مستقرة، وقد استغل مسالمته من سَحَقَه، فلتكن منك نظرة إليه تبني ما هُدم. 



2- التمكين للحزب: فالأحزاب الحاكمة في الوطن العربي ليست كالأحزاب الحاكمة في الديمقراطيات العريقة، الأحزاب في الديمقراطيات العريقة طائفة من الشعب جمعتها فلسفة، ورؤية سياسية، وتصور لأساليب خدمة الشعب وإدارته، والأحزاب الحاكمة في البلدان العربية طائفة من المتنفِّعين، تنشأ حول شخص، كما ينشأ الفُطْر (شمّ أهل الخلاء): ينزل المطر ليلا فيصبح نابتا معتمًّا، تجمعها وإياه خلال سلبية، جماعها الأثرة والاستبداد، وتصوُّر لأساليب النهب وتقاسم الثروة، من دون الشعب، فإن ذهب حكمه تلاشت كما يتلاشى الفطر بالسرعة التي نبت بها. سرِّح طرفك في الأحزاب الحاكمة في بلاد العرب: هل ترى في آثارها إلا الفساد والدمار وسحق الإنسان؟



 فخامة الرئيس، إن الحزب الحاكم هو البطانة، فانظر من تكون بطانتك، فإن "من فسدت بطانته كان كالغاصِّ بالماء". سوف يتودد إليك المتوددون 



-فخامة الرئيس-، ويصفونك بما لا تعلم من نفسك، من أجل أن ينالوا ما لا يستحقون، وسوف يكون أمدحهم لك وأكثرهم مسارعة في هواك أقلهم كرامة على نفسه، فإن حثوت في وجوههم التراب عظَّموك وعظَّمك غيرهم؛ لأنك عظيم حقا، وإن أدنيتهم أفسدوك على نفسك وعلى وطنك، وشغلوك عن البناء بأوهام العظمة، كما شغلوا بها غيرك، واتخذوك لعبة يقضون بها حاجاتهم. فخامة الرئيس، إن لم يكن لـ(لاتحاد من أجل الجمهورية) معنى غير معنى الأحزاب الحاكمة قبله فإن اختلاف الأسماء لا يستوجب اختلاف المسميات، 



فإن أردت أن يكون له معنى غير معنى سلفه فاجعله فريقا لبناء موريتانية، يضم الوطنيين الصادقين المخلصين الذين يؤثرون على أنفسهم، ويحملون هم الوطن، لا هم الذوات، يجوعون ليطعموا الشعب، ويَنْصَبُون ليستريح، وليس لهم غاية سوى أن يبنوا موريتانية، لها مكانة تحت الشمس. فإن فعلت كان حزبك مثلا للأحزاب النزيهة الشريفة، واشتغل عنك من يريد أن يشغلك.



 3- التمكين للأقرباء بغير حق: فإنما أنت أعظم الموريتانيين أجرا أو وزرا، جعلك الله قاسما ولم يجعلك مالكا، ومثلك كمثل الصراف يُؤتَى بصكٍّ فيعطي حامله ما فيه، ليس له أن يزيده أو ينقصه. وإنما يعطي المرءُ ما يملك. ومن أراد أن يبني وطنا احتاج إلى فكر أوسع من القبيلة. وقد أثبت التاريخ العربي الحديث أنه لا يعوِّل على القبيلة ويملِّكها رقاب الناس إلا من يريد أن يتقوى بها على من يحكم، حين يفقد الثقة بالشعب، وهي سمة لا تكون إلا في المستبدين، وأنت إن حسنت كان الشعب كله قبيلة لك، وإن مِلْتَ لم تنفعك قبيلة، هل أغنت عمن قبلك قبيلته، حين حانت ساعته؟ وهو تفكير أرجو أن تكون ممن يتجاوزه، فإنه ضرب من الأثَرة (الأنانية)، يتنزه عنه العظماء.



 وخير خدمة يقدمها المرء للقبيلة أن يكون هو عظيما: فعظمة القبيلة من عظمة أفرادها، وصغرها من صغرهم. ولا تنس أخيرا -فخامة الرئيس- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من لقي الله وهو غاشٌّ لرعيته لم يَرُحْ رائحةَ الجنة".



 وتذكر أن الله سائلك عن العجوز في بوادي موريتانية، وعن الطفل الرضيع، والشيخ الهرم، لمَِ لمْ تعالجهم، ولم لم تطعمهم، وإن نابتهم نائبة لم لم تقم فيها حتى تزيلها، وقد كان سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقول: "لو أن بغلة عثرت بشطِّ الفرات لسأل الله عنها عمر: لم لم يمهد لها الطريق". ومن استشعر أن الله واقفه غدا في عرصات القيامة، فسائله عن رعيته فردا فردا كان على دفع الرئاسة أحرص منه على توليها، وإذا قال سيدنا عمر -على عدله ونصَبِه في خدمة الرعية-: "وددت أن أخلص منها لا علي ولا لي"، فما ذا يقول غيره؟ أسأل الله لي ولك العون والسداد. والله يرعاك.



د.مختار ولد الغوث
*استاذ جامعي يعمل بالسعودية
 
أخر شيء 

قال صلى الله عليه وسلم " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسئول عن رعتيه، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ... "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق