الخميس، 8 مارس 2012

دكتور جامعي في حيرة





كان لدى دكتور جامعي ابن في مرحلة المراهقة ، ويسكن في حي يوجد فيه بعض متعاطي المخدرات.
وكأي أب فهو حريص على ابنه ،ويعرف خطورة هذه المرحلة.
فكان لا يدع أبنه يخرج إلاّ مع من يعرفه ،ومع ذلك يبقى قلقا من أن ينجرف أبنه إلى وحل المخدرات .

ومع اقتراب فترة الصيف أتت للأب دعوة لإلقاء بعض المحاضرات في بعض الولايات الأخرى، ورغب هو بحضور بعض الندوات المحلية والدولية،مما سيعود عليه بتحسين وضعه المادي ومكانته الجامعية والإجتماعية.
أصبح الأب قلقا ماذا يعمل فهو يريد حماية ابنه وفي نفس الوقت يرغب بحضور ندوات ومحاضرات الصيف.

أخذ الأب يفكر لعله يجد طريقة يتخذها حلا له.
جلس مع نفسه وأخذ يفند خياراته 

" يا إلهي أعني، إنني في مشكلة كبيرة ،يكاد رأسي ينفجر من التفكير ، إن لي ليلتين نومي فيها مضطرب.
حسنا، حسنا يجب أن أفكر بحل أو أرفض عروض الصيف "
ثم أخذ ينادي زوجته " يا أم جورج ، سارة أين أنتي يا سارة ؟
إنني هنا ، ما ذا تريد يا ستيف ؟
سوف أدخل مكتبي ،فلا تجعلي أحدا من الأبناء يزعجني ؟
حسنا ."
دخل ستيف إلى المكتب وأغلق الباب وأخذ يفكر ويفند خياراته.


  • " لدينا حي فيه متعاطين للمخدرات ،هل أغير هذا الحي؟ مستحيل . فلقد دفعت جزء كبيرا من أقساطه.



  • لدي أبن في سن المراهقة ، هل أخذ ابني معي ؟ لا.لا إن هذا غير معقول ،فسوف أقيد حريته وغير ذالك سيكلفني مبالغ باهظة في تنقلاته ،إذا هذا حل عقيم.



  • لدي ندوات ومحاضرات بالصيف و مردودها علي وعلى أسرتي كبير النفع ، هل يعقل أن ألغيها ؟ مستحيل، فهذا ضرب من الجنون .


إذا هل اتركه وأقول الحافظ الله.كما يفعل معظم الناس.


يا إلهي يكاد رأسي ينفجر ولم أجد حلا .
آه. ما هذا الصداع !"


وفجأة اتسعت عيناه وفتح فمه وقفز عليا 


- يا الله.
 ما هذا؟ لقد لسعتني النملة . 
الم تجدِ وقتا غير هذا -"


وبعد برهة من الوقت 
"لقد وجدتُ الحل "
خرج جورج مسرعا من مكتبة .
"سارة أين جورج ؟
إنه في غرفته .
فلتنادي عليه بسرعة."
أتى جورج مسرعا من الطابق الأعلى 
"ماذا تريد يا أبي ؟
أهلا بُني ، ما رأيك نأخذ جولة بالسيارة ؟

خرج الوالد وأبنه 
وبعد بعض الوقت توقف الأب عند المتحف ونزل الاثنان وتجولا فيه وشاهدو تماثيل -وهي محرمة- ورسومات لشخصيات لها تأثير بتاريخ أمريكا كجورج واشنطن ،أو لها تأثير على مستوى العالم كنيوتن مكتشف الجاذبية،وتحت كل تمثال وصورة نبذة مختصرة عن سيرته و إنجازاته وكيف وصل لتلك المكانة.

بعد جولة رائعة بالمتحف استمتع بها الاثنان وحينما غادرا كانت الشمس على وشك المغيب ، والليل يزحف ليُدثر الكون بعتمته التي ستعم سماء المدينة .

توجه الأب بالسيارة وبرفقته أبنه ميمما وجهه نحو أحد أحياء المدينة التي يكثر بها متعاطي المخدرات وهذا الحي ليس ببعيد عن حيهم الذي يسكنون به.

أبطئ الأب من سرعته وأخترق بسيارته طرقات الحي الفرعية ،وإذا بهم يرون  شاب قد لعب الهروين-وهو نوع من أنواع المخدرات- بعقله وإذا به يتجادل مع والِديه ويصفهم بأقبح الصفات ثم يكسر زجاج نوافذ المنزل ويهرب .
أقشعر بدن جورج من هذا المشهد وأبدى تقززه ونفوره من هذا الموقف لدى والده .

ثم أخذ الأب شارعا أخر في نفس الحي وبينما هم يسيرون إذ بهم يسمعون صوت طلقة نارية من مكان غير بعيد عنهم .
توجهوا نحو الصوت سائرين على أقدامهم بحذر شديد ،راو رجلا بيده سيجارة حشيش قد أحترق نصفها وبيده الأخرى مسدس وأمامه بمحاذاة الشارع شاب غارق بدمائه يلفظ أنفاسه الأخيرة و أمه عند رأسه تبكي بحرقة وبجانبها طفلة لم تتجاوز الخامسة من العمر تبكي لبكاء أمها ،والناس حولهم في صخب يتحدثون ،ومن بعيد سمع الأب وأبنه جورج صوت سيارة الشرطة ثم رأوها قادمة نحو الحدث .

أقترب ستيف وأبنه من كثيرا من موقع الحدث وسمعوا الناس يتحدثون فيما بينهم أن سبب الشجار بين الأب الحشاش والابن القتيل هو "كوب لبن".

والقصة باختصار أن كما رواها جار القاتل : أن الأب كان يشاهد التلفاز وأمامه طاولة صغيرة عليها كوب لبن ،فمر الابن من أمام الطاولة فاصطدم بها فوقع كوب اللبن على الأرض وانسكب ووصلة بعض قطراته للأب فشتاط غضبا وحدث الشجار بينه وبين الابن، فخرج الابن من المنزل فقتله الأب .

وكل ذلك بفعل الحشيش ،فقد توهم الأب أن هذا عدم احترام له وأن الابن فعل ذلك قاصدا.

انسحب ستيف من الحي نزولا على رأي ابنه جورج الذي كان ممسكا بيد والده وهو يرتجف بعد سماعه للقصة .

وعند خروجهم من هذا الحي الموبؤة توقف الأب في مقهى اسمه"عدل مزاجك" وتحدث مع ابنه قائلا :

"أي بني لقد اجتهدت في تربيتك على أحسن وجه وأنت أصبحت شابا تخطو أولى خطواتك نحو استقلالك في اتخاذ قراراتك وما أنا لك إلا موجها ومستشارا .
أي بني لقد هذبنا اليوم للمتحف ورأيت صورا للعظماء وقرأت سيرا للخالدين الذين خلُد ذكرهم بأعمالهم العظيمة وكيف وصلوا لتلك المكانة،ورأيت كيف أن الناس تحبهم وتقدرهم وتتخذ صور مع صورهم.

ثم ذهبنا يابني لذلك الحي ورأيت ما رأيت وكيف أن المخدرات تدمر صاحبها وتدمر معها علاقته بأهله وجيرانه وكيف أن الكل يكره المتعاطي .

آي بني هذان نموذجان لحياتين مختلفتين فأختر لنفسك الحياة التي تريد"
عندها أغر ورقت عينا جورج بالدموع فحضن والده 

وقال :"بل حياة العظماء أريد "

عندها عادا للبيت ونام الأب نومة من حلاوتها شعر أنه لم ينم مثلها من قبل. 

أما الابن فقد خطط لحياته جيدا ليصبح من العظماء وكلما مر من جانب مقهى "عدل مزاجك" شعر بالأمتنان له لأنه المكان الذي قرر فيه أن يصبح من العظماء.

أخر شيء

شخصياتنا يساهم في تشكيلها ثلاثة أمور :
1- تربية الوالدين في الصغر.
2- الأصحاب في سن المدرسة.
3- الإعلام بعد ذلك.
فأيهم كان أقوى كان تأثير أكبر، فلأولوية للوالدين إذا فقهوا.

 مستور حامد العبدالله

هناك 10 تعليقات:

  1. رائعة القصة كروعة كاتبها
    أعجبني كيف حول الاب حيرته وتردده الى حل رائع
    وأوصلها بطريقة عفوية غير مباشرة
     جميلة جداً في شوق الى مزيد من إبداعاتك .....

    ردحذف
  2. واخيرا توصل الى حل ...
    جميل هو الحل حيث انه استخدم طريقةالاقناع والاقتناع الذاتي وهو من ابلغ طرق التربيه
    ولكن لدي تعقيبا على جملة كتبتها وظللتها ولا ادري ان كان قصدك من ذلك التقليل من شأنها ام ماذا!! وهي"الحافظ الله"
    نعم الحافظ الله ولاشك في ذلك ويجب الانقلل من ذلك باي شكل من الاشكال فالتوكل شيء ضروري كم من الاسر المحترمه التي بذلت جهدا رائع وجبار في تربية ابنائها وبالرغم من ذلك انحرفوا وكم من اسر لا تفقه شيئا في التربية واساليبها تجد من بين ابنائها من يخرج انسان رائعا وعظيما بمعنى الكلمه فنحن نبذل الجهد والاسباب ولكن نفعل الامر بالدعاء والتوكل على الله حق التوكل نتضرع الى الله بان هذا جهدنا وانك انت المربي وانت الهادي
    اخيرا هناك فرق بين التوكل و التواكل ونحن امرنا بالتوكل بعد بذل الاسباب
    ابنائنا امانة نحن مسؤولون عنهم فهل ادينا الامانة على اكمل وجه؟؟؟


    شكرا اخي العزيز على كتاباتك الرائعه وتقبل مروري

    ردحذف
  3. مستور العبدالله9 مارس 2012 في 7:17 م

    أهلا ساري

    فعلا الأب جعل الابن يرى الفرق جليا بين الطريقين

    شكرا على الزيارة ولا تقطعنا خلنا نشوفك هنا كثير :)

    دمت بود

    ردحذف
  4. مستور العبدالله9 مارس 2012 في 7:33 م

    أهلا بالوردة الي عطرت صفحتي بشذاها

    نعم طريقته جميلة

    أما الجملة التي ظللتها فلم أقصدفيها التقليل ولو نظرتا ماذا قال "إذا هل اتركه وأقول الحافظ الله.كما يفعل معظم الناس"

    أرآيتي قال "أتركه "فهو تواكل وهذا ما قصدته أن الناس تقصر في تربية أولادهم وتهملهم ثم يقول "الحافظ الله أو يقول المصلح الله"
    ونسي أنه عندما يمرض أبنه أنه لايهمله ويقول "الشافي الله" بل يسعى بكل قواه ليعالجه .

    ختاما:
    قال الرسول صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي أراد ترك ناقته دون أن يربطها عند باب المسجد قال له الحبيب "أعقلها وتوكل"

    سرتني زيارتك أختي العزيزة
    وسرني أثرائك للموضوع

    دمتي بخير

    ردحذف
  5. لم تكن النتيجة التي وصل لها الابن المراهق بسبب تلك النماذج التي رآها فحسب بل كانت هناك اسباب جوهريه تتمثل في :
    ١- اهتمام الاب به حتى انه قدمه على مشاريعه العلمية المادية.
    ٢- عدم تقييد حريته .
    ٣- اختيار الاب لمقهى ( عدل مزاجك ) كمكان مناسب لالقاء النصيحة.
    شكرا لك ايها الفسيح لانك استأثرتني واستثرتني واثريتني.

    ردحذف
  6. مستور العبدالله17 مارس 2012 في 9:33 م

    مرحبا بك أيها الفاضل

    جميلة استباطاتك

    وأرى أختيار الأب لمقهى (عدل مزاجك) فيه نوع من الإيحاء أنه الأن بإختيارك تسطيع تغيير حياتك .

    دمت وفياً

    ردحذف
  7. ابو فيروووووووز18 مارس 2012 في 12:29 ص

    وين الوزاع الديني يادكتور .....؟

    من اهم بنود تقوية القلب

    استمتعت كثيرا

    واصل ياقلمي

    ردحذف
  8. مستور العبدالله18 مارس 2012 في 5:42 م

    الوازع الديني مهم جدا

    ولكن الوالدين هم من يغذون الطفل بعقيدته

    فإذا أصبح شابا ظهر ذلك على سلوكه .

    وأنا سعدت بمرورك ورُيتي لأثرك

    وإقرئي ياشفاتي

    ردحذف
  9. جميل جميل جداً

    طاب فالك.

    ردحذف
  10. مستور العبدالله24 مارس 2012 في 12:05 ص

    مرحبابك ، القهوة يا ولد.

    ردحذف