بسم الله الرحمن الرحيم
نكمل مابدأناه من مقتطفات من كتاب سيرة العلامة ابن باز رحمه الله .
= عـزة نفـس سمـاحـة الشيــخ:
- قبل قرابة 20 عاماً من وفاته لما انتهى بناء بيته الذي في الطائف أرسل إليه مسؤول كبير - جزاه الله خير – مبلغاً وقال: هذه هدية مني لسماحتكم, لتأثيث المنزل, فرده سماحة الشيخ وقال: نحن بخير, ولا نحتاج إلى شيء وجزاك الله خير. وأنا أعلم أن سماحة الشيخ مدين وأنه بحاجة, ولكنه غني القلب, عزيز النفس, ولعل هذا من أعظم الأسرار في محبة الناس له, وقبولهم نصحه, واجتماع القلوب عليه.
= كــرم و جــود سمـاحـة الشيــخ:
- لا يتلذذ بالأكل وحده, بل لا يجد أنسه إلا بالأكل مع الضيوف والفقراء.
- كان لا يقوم من المائدة حتى يسأل عن ضيوفه: هل قاموا ؟ فإذا قيل له: قاموا, قام, كي لا يعجلهم قبلهم, وإذا قام قال: كُـلٌ براحته, لا تستعجلوا.
- في يوم 28/9/1406هـ كان مجلس الشيخ يغص بالناس على اختلاف جنسياتهم ولغاتهم وكنا بانتظار وقت الإفطار, وبينما نحن كذلك إذ جائت حافلة وعلى متنها 50 شخصاً فدخلوا على سماحة الشيخ, وكنت أقدر الذين كانوا في المجلس بـ 200 شخص فقال لهم سماحته: تفضلوا حياكم الله, ولقد كان الطعام المعد بكفاية 80 شخصاً, ولكن البركة التي تحضر في طعامه بادية ظاهرة.
= مـن الأدعيـة الـتـي كـان يدعـو بهـا:
- اللهم إني أسألك التوفيق والإعانة, ويا الله عونك وتسديدك.
- اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
- اللهم اشرح لي صدري وألهمني رشدي وقني شر نفسي.
- الله يتوب على الجميع, الله يجعلنا مباركين.
= تعـامـل الشيـخ مـع الفقـراء ومـع مـن يعمـلـون معـه:
- مرّة من المرّات طلب مني أحد السائقين لدى سماحته أن يتصل بأهله من الهاتف الذي في منزل الشيخ, فقلت له: لابد من الإستئذان من سماحته, فأتيت الشيخ وقلت له: فلان طلب مني الإتصال بأهله فقال سماحته: لعلك منعته, فقلت: لابد من إذن سماحتكم, فقال: اتركه يتصل, لا تمنعوهم, ارحموهم, أما لكم أولاد, الرسول يقول: من لا يرحم لا يُرحم.
- قال بعض الناس - على سبيل الإقتراح - لو أن سماحة الشيخ إذا جاء من عمله دخل في مكان خاص, وجلس معه على الغداء خواص الموظفين, وترك الجلوس مع عامة الناس, لأنهم يتعبونه, فقلت لسماحته: إن بعض الناس يقترح كذا وكذا. فقال سماحة الشيخ: مسكيــــن ! هذا لم يتلذذ بالأكل والجلوس مع الفقراء والمساكين, نحن سوف نستمر على هذا, والذي يحب يجلس معنا حياه الله, والذي لا يستطيع أو لا يريد فنحن نسامحه.
= ذاكـرة سمـاحـة الشيــخ:
- أهدى صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن فهد إلى سماحة الشيخ جهاز كمبيوتر قد خزّن فيه جميع ما في الصحيحين والسنن والمسانيد, وعندما حضر المُختص لإطلاع سماحته على نظام الجهاز وكيفية استخراج الحديث المراد, فأخذ سماحته يسأل في كم رواية ورد؟ وفي أي الأبواب؟ فجعل المُختص يبحث والشيخ يسأل ويقول: صحيح, وفي بعضها يقول الشيخ: بل ورد بلفظ كذا وكذا ورواه فلان, وإذا بحث المُختص عنه ولم يجده في الجهاز, وعند الرجوع إلى أصل الكتاب يجد طبق ما كان يحفظه الشيخ! وبعد أن سأل سماحته عدة أسئلة وصار يصوّب ويُخطّيء, قال المُختص: يا شيخ أتينا بالجهاز على أننا حفظنا فيه كل شيء, وأن الجهاز قد اُعتني بإدخاله المعلومات ولكننا فوجئنا بأنك يا شيخ احفظ من الكمبيوتر !!
= ثبـات الشيــخ وشجـاعتـه:
- مرّة دخل في مجلس بيته لأداء السنة الراتبة للمغرب, ولما كبّر ودخل في الصلاة جاء أحد المرافقين له وفتح النور فانفجرت إحدى الثُريات وصدر منها صوت شديد وتطاير منها الشرر, وكنت انظر لسماحته, وإذا به لم يتغيّر ولم يتحرك وبعد فراغه من الصلاة وإتيانه للأذكار قال: ما هذا الصوت؟ ولم يزد على ذلك.
- في أزمة الخليج 1411هـ كان الناس يصابون بالرعب إذا سمعوا أصوات الصفارة المنذرة, أما سماحته فهو على حاله ودروسه وثقته بالله لا تتضعضع, بل أن كثير من الطلاب يقولون: أننا نشعر بالأمان والطمأنينة إذا حضرنا درسه.
= نُصـح سمـاحـة الشيـخ:
- أذكر مرّة أن سماحة الشيخ أثنى على شخص وكان يدعوه بقوله: يا شيخ, فسمعه أحد الزائرين فقال لما خرج الرجل: يا سماحة الشيخ هذا الشخص لا يستحق أن يعطى مكانة ولا أن يلقب بـ يا شيخ, لأنه مسبل وحالق لحيته ومطيل شاربه. فقال: وهل نصحته؟ قال: لا, فغضب سماحته وقال: لماذا لم تنصحه؟ كيف تقابل ربك وأنت رأيت المنكر ولم تنكره؟ أتخشى الناس؟ سوف تقابل ربك يوم القيامة. ثم قال سماحة الشيخ: ذكروني به إذا جاء مرة أخرى, فلما جاء ذلك الرجل التفت إليه سماحة الشيخ ونصحه سراً.
- كان يقول: ربما نختلف مع ولاة الأمور في بعض الأمور, وربما يشتد النقاش, ولكننا نصطلح معهم, ويزول ما في النفوس, لأن الهدف هو النصح لهم وللمسلمين.
- واذكر أنه في إحدى الجمع قام بعد الصلاة في طرف الصف من جهة اليساريلقي نصيحة يحذر من الغش في البيع والشراء, وكان مما قال: كل بحسبه, حتى بائع الفحم يجب أن يتقي الله ولا يغش إخوانه المسلمين.
= تعـامـل الشيــخ مـع زوجـاتـه:
- كان يتصل بهن يُومياً إذا كان في مكة أو الطائف, وكان يتلطف في الكلام معهن, وربما أخبرهن بما فعل في يومه, فربما قال: كنا اليوم في الرابطة وغداً إن شاء الله سنذهب إلى كذا وكذا ونحو ذلك.
- في يوم من الأيام رن الهاتف, فأخذ سماحته الهاتف على غير العادة وإذا هم أهلي يطلبوني, فناولني السماعة, وكنت حريصاً على الإختصار, لأن وقت الشيخ لا يسمح والمجلس مليء بالحاضرين.
والذي حصل أن أهلي سألوني: هل ستتغدى معنا هذا اليوم؟ فقلت: لا. وبذلك انتهى الغرض ووضعت السماعة.
فقال سماحته: انتهيت من المكالمة؟ قلت: نعم .
فقال رحمه الله: ما هذا الجفاء؟! أهكذا تكلمون أهليكم؟ أسأل الله العافية.
فقلت: يا سماحة الشيخ المقصود انتهى, ولا أريد الإطالة فالوقت لا يسمح. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله, خيركم خيركم لأهله.
- في يوم من الأيام كان يريد السفر بالطائرة, وتأخرت إحدى أسرتيه أكثر من ساعة, وتأخرت بسبب ذلك الطائرة التي تقلّه, ومع ذلك لم يبد عليه أي تضجّر أو سآمة, بل كنا نقرأ عليه المعاملات, وكلما مضى 10 دقائق أو ربع ساعة سأل: هل جاؤوا؟ فإن قيل: لا واصَل الإستماع, ولما وصلوا لم يبد أي تضجّر, لأنه يلتمس لهم المعاذير, ويعلم أنهم لم يتأخروا إلا لعارض.
= صحـة سمـاحـة الشيـخ:
- كان يتمتع بصحة جيدة في الجملة, فلم يكن يعاني من كثير من الأمراض التي يعاني منها من هو في سنه, فسماحته لم يكن مصاباً بمرض السكر ولا بالضغط ولا بالكوليسترول.
- كان مع كبره يحب الشاي الحلو وكان ضمن عشائه الحلاوة الطحينية بل كان يأكلها منفردة بلا خبز أحياناً.
- ومع ذلك فقد مرت به أمراض شديدة في فترات من عمره، فلم يفارقه حلمه ولا سكينته, ولا فتّت تلك الأمراض من عضده, ولا نالت من همّته ولا خُلقه.
- من تلك الأمراض: حصى المرارة 1383هـ , إصابته بمرض القلب 1402هـ , إصابة ركبته 1414هـ .
= مُتـفـرقـات:
- سماحة الشيخ حج اثنين وخمسين حجة.
- لم أسمع أنه قد أخذ إجازة في حياته لا إجازة عادية ولا إجازة اضطرارية, إذا كيف يأخذ الإجازة والأعمال هي هي في أيام الدوام أو غيرها ؟
- إذا نسي شيء وجعل يفكر فيه, طأطأ برأسه وردد: لا إله إلا الله, ما شاء الله, حتى تذكر ما يريد.
- كان الملك فيصل رحمه الله مُجِلّاً لسماحة الشيخ مُحباً له, وكان يلقبه بـ: الأخ الأكبر, ويلقبه بـ: الوالد, مع أنه يكبر سماحة الشيخ بست سنوات.
= أيامــه الأخيـرة ثـم وفاتـه:
- توفي قبيل فجر الخميس 27 / 1 / 1420 هـ في الطائف.
-منذ شهر رمضان كان كأنه يستعد لفراق الدنيا حيث كان يكثر من ترداد: الله يحسن لنا الختام, الله يتوب علينا.
- لم يترك سنة من السنن القبلية ولا البعدية, ولم يترك ذكراً من الأذكار, أو سنة من السنن التي كان يقوم بها إبان صحته, بل لقد شاهدته يطبق سنن الصلاة كاملة يوم الثلاثاء 25 / 1 / 1420 هـ أي قبل وفاته بيومين.
- بعد أن أنهكه المرض وفتك بجوفه وأنحل جسمه, كنا نراه أحياناً يضع يده على موضع الألم, ومع هذا لا تراه يشكو أحد, ولا يظهر أنه يعاني من شدة المرض.
- دخل بيته وجلس مع أسرته وبعض أقاربه الذين قدموا للسلام عليه من الرياض والمدينة, حيث مكث معهم إلى الساعة الـ12 وهو في أنس وسرور وراحة بال, ثم انصرفوا عنه لينام فأخذ يذكر الله ويسبحه.
يقول ابنه أحمد: (وجلست معه بعد ذلك حتى الساعة الـ1 والنصف, وسألني عن الساعة فأخبرته, فقال: توكل على الله نم, وصلى ما شاء الله أن يصلي, واضطجع على فراشه, والوالدة كانت جالسة عنده، ولما كانت الساعة الـ2 والنصف جلس – رحمه الله – وضحك ثم اضطجع وبعد ذلك ارتفع نَفَسَه, وحشرج صدره وحاولت الوالدة أن تنبه, ولكنه لا يرد. وبعد ذلك جئت إليه أنا وإخوتي واستمر على هذه الحال فاتصلنا بمستشفى الملك فيصل, فأرسلوا سيارة إسعاف وحُمِل سماحته إلى المستشفى, وعند حمله فاضت روحه إلى بارئها).
= مـن أقـوالـه:
- " ومن أقبح هذه المعاصي وأخطرها على المسلمين ما ابتلي به كثير من الناس من التكاسل عن الصلوات والتهاون في أدائها في الجماعة, ولاشك أن هذا من أقبح خصال أهل النفاق ومن أسباب الزيغ والهلاك قال تعالى: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى "
- " ومما ينبغي الحذر منه حضورُ مجالس اللهو والغناء, وسماع الإذاعات الضارة ومجالس القيل والقال, والخوض في أعراض المسلمين, وأشد من ذلك وأضر حضور مجالس السينما وأشباهها ومشاهدة الأفلام الخليعة الممرضة للقلوب, الصادّة عن ذكر الله وتلاوة كتابه, الباعثة على اعتناق الأخلاق الرذيلة, وهجر الأخلاق الحميدة, إنها والله من أشد آلات اللهو ضرراً وأعظمها قُبحاً وأخبثها عاقبة, فاحذروها رحمكم الله واحذروا مجالسة أهلها".
قد تكون مقتطفات بسيطةولكنها تحوي من العبر والفوائد الشيءالكثير...رحمه الله رحل لكننا لا نزال نتعلم من سيرته.
ردحذفصدقت .
ردحذفسيره عطره لشيخنا الفاضل وليس مستغرب عليه
ردحذفجميل ماسطرته عن هذا الشيخ الجليل
رحمه الله ومازال حيا بين ايدينا
الأجمل مرورك .
ردحذف